الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.[الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بالسَفَرِ الِطَّوِيلِ]: (وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِطَوِيلِ سَفَرٍ مُبَاحٍ) خَمْسَةٌ: (جَمْعٌ وَقَصْرٌ وَمَسْحٌ) عَلَى خُفٍّ وَنَحْوِهِ (ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، (وَفِطْرٌ) بِرَمَضَانَ، (وَسُقُوطُ جُمُعَةٍ)، وَأَمَّا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، فَلَا تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ.تَتِمَّةٌ:مَنْ عَزَمَ عَلَى إقَامَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رُسْتَاقٍ يَنْتَقِلُ فِيهِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَا يَعْزِمُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا مُدَّةً تُبْطِلُ حُكْمُ السَّفَرِ، فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ عَشْرًا بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ وَمِنًى يَقْصُرُ» وَتَقَدَّمَ..(فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ: (الْجَمْعُ بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ) بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا، (وَ) بَيْنَ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا)، أَيْ: إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ (جَائِزٌ)؛ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، (وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ)، فَيُسَنُّ بِشَرْطِهِ فَفِي عَرَفَةَ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِوَقْتِ الظُّهْرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِوَقْتِ الْعِشَاءِ. أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ نَوَى إقَامَةً بِمَكَّةَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَلَا يَجْمَعُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) غَيْرُ (خَائِفٍ فَوْتَ جَمَاعَةٍ بِتَرْكِهِ) أَيْ: الْجَمْعِ، فَيُسَنُّ لَهُ الْجَمْعُ حِينَئِذٍ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، عَبَّرَ عَنْهُ صَاحِبُ الْفَرْعِ بِ: قِيلَ؛ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِهِ. (وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ)، أَيْ: الْجَمْعِ (لِمَنْ لَمْ يَبْقَ وُضُوءُهُ لِوَقْتِ) صَلَاةٍ (ثَانِيَةٍ، وَلَا يَجِدُ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ)، كَذَا قَالَ، وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إذْ لَا يُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَوَجَدَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ اسْتَعْمَلَهُ، وَإِلَّا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَأَمَّا فِعْلُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ خَشْيَةَ عَدَمِ مُطَهِّرٍ؛ فَلَا قَائِلَ بِهِ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ بَعْدَ عَدِّهِ الْمَسَائِلَ الْآتِيَةَ:فَائِدَةٌ:لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَإِنَّمَا يُبَاحُ) الْجَمْعُ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ. إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ (بِسَفَرٍ جَازَ فِيهِ قَصْرُ) رُبَاعِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ، وَيَبْلُغَ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ، لِمَا رَوَى مُعَاذٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ سَائِرًا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِيرِ. (فَلَا جَمْعَ لِمَكِّيٍّ بِعَرَفَةَ) وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ وَاَلَّذِي يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَمْعُ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ سَفَرَ قَصْرٍ. (إنْ لَمْ يُخَلِّفْهُ)، أَيْ: الْمَكِّيَّ عُذْرٌ (غَيْرُهُ)، أَيْ: غَيْرُ السَّفَرِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ عُذْرٌ غَيْرُهُ؛ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ.(وَ) الثَّانِيَةُ: (لِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ)، أَيْ: الْجَمْعِ (مَشَقَّةٌ) وَضَعْفٌ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ نَوْعُ مَرَضٍ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ مِنْ السَّفَرِ «وَاحْتَجَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا».(وَ) الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: لِـ (مُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ نَجَاسَةٍ)، أَيْ: مَشَقَّةِ تَطْهِيرِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ.قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ كَمَرِيضٍ.(وَ) الرَّابِعَةُ: ل (نَحْوِ مُسْتَحَاضَةٍ) كَذِي سَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فِي الِاسْتِحَاضَةِ: وَإِنْ قَوِيت عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ، ثُمَّ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ. ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ فَافْعَلِي» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّلَسِ وَنَحْوُهُ.(وَ) الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: لِـ (عَاجِزٍ عَنْ طَهَارَةٍ) بِمَاءٍ (أَوْ تَيَمُّمٍ) بِتُرَابٍ (لِكُلِّ صَلَاةٍ)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. وَالْحَالَةُ السَّادِسَةُ: الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَاجِزٌ عَنْ (مَعْرِفَةِ وَقْتٍ كَأَعْمَى) وَمَطْمُورٍ، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ.(وَ) الْحَالَةُ السَّابِعَةُ: (لِعُذْرٍ) يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ، كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَالْحَالَةُ الثَّامِنَةُ: ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ شُغْلٍ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ)؛ كَمَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا بِمَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا. (وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ)، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ: (النُّعَاسَ) وَفِعْلُ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، لِعُمُومِ حَدِيثِ «خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» بَلْ تَرْكُ الْجَمْعِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، إذْ السُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ مُفَرَّقَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ السَّابِقَةَ تُبِيحُ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ. ثُمَّ أَشَارَ لِلْأَعْذَارِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعِشَاءَيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ فَقَالَ: (وَيَخْتَصُّ جَمْعٌ) بَيْنَ (مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ بِثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَجَلِيدٍ وَوَحَلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ) ظَاهِرَةٍ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً، وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ شَدِيدَةً بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَارِدَةً. (وَمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ)؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِالْجَمْعِ لِذَلِكَ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَرَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ. وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَأَمَرَ عُمَرُ مُنَادِيهِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَنَادَى: الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ» وَالْوَحَلُ أَعْظَمُ مَشَقَّةً مِنْ الْبَرَدِ؛ فَيَكُونُ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ إلَّا الْوَحَلُ.قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْعُذْرِ وَالنَّسْخِ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ، فَإِنْ بَلَّ الْمَطَرُ النَّعْلَ فَقَطْ، أَوْ الْبَدَنَ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَشَقَّةٌ؛ فَلَا، وَلَهُ الْجَمْعُ لِمَا سَبَقَ. (وَلَوْ صَلَّى بِبَيْتِهِ، أَوْ) صَلَّى (بِمَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ وَنَحْوِهِ) كَمُجَاوِرٍ بِالْمَسْجِدِ؛ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا لِكُلِّ فَرْدِ مِنْ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا كَالسَّفَرِ. (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ يَجْمَعُ (فِعْلُ الْأَرْفَقِ) (مِنْ تَأْخِيرِ) الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ، أَوْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ (أَوْ تَقْدِيمٍ)، أَيْ: تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَقْتَ الظُّهْرِ، أَوْ الْعِشَاءِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ، (حَتَّى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ)، فَيُفْعَلُ فِيهِمَا الْأَرْفَقُ أَيْضًا مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، (خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ قَوْلَيْهِمَا: سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، لَكِنَّ صَاحِبَ: الْمُنْتَهَى قَالَ: إنْ عُدِمَ- يَعْنِي: الْأَرْفَقُ- فَلَا وَهْمَ فِي عِبَارَتِهِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ فَهِيَ صَرِيحَةٌ بِالْمُخَالَفَةِ، فَلَوْ أَشَارَ إلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْإِقْنَاعِ مُوَافِقَةٌ لِعِبَارَاتِ مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحَقُّ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا، لِتَفَرُّدِهِ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُ الْمُنْتَهَى إنْ عُدِمَ؛ تَبِعَ فِيهِ الْمُنَقِّحَ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي جَمْعِ عَرَفَةَ التَّقْدِيمُ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ فِيهِ أَرْفَقُ، وَفِي جَمْعِ مُزْدَلِفَةَ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيمُ فِيهِ أَرْفَقَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَاقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ، (فَإِنْ اسْتَوَيَا)، أَيْ: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْأَرْفَقِيَّةِ، (فَتَأْخِيرٌ أَفْضَلُ)؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ)؛ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ مُطْلَقًا أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَشُرِطَ لِصِحَّةِ جَمْعٍ مُطْلَقًا) تَقْدِيمًا كَانَ أَوْ تَأْخِيرًا (تَرْتِيبٌ) بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، (وَلَا يَسْقُطُ) التَّرْتِيبُ (بِنِسْيَانٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالتَّرْتِيبِ فِي الْفَوَائِتِ، فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ.(وَ) شُرِطَ (لِجَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: (نِيَّةٌ)، أَيْ: الْجَمْعِ (عِنْدَ إحْرَامِهَا)، أَيْ: الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ.(وَ) الثَّانِي: (أَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَلَوْ سَهْوًا وَنَحْوَهُ) كَالْجَهْلِ، فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا سَهْوًا أَوْ جَهْلًا؛ بَطَلَ الْجَمْعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ)؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُتَابَعَةُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْبِيرٍ عِيدًا وَغَيْرَهُ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى (فَيَبْطُلُ) جَمْعٌ (بِرَاتِبَةٍ) صَلَّاهَا (بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ.(وَ) الثَّالِثُ: (وُجُودُ عُذْرٍ) مُبِيحٍ لِلْجَمْعِ (عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَ) عِنْدَ (سَلَامِ أُولَى)، لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَسَلَامِهَا، وَافْتِتَاحُ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ.(وَ) الرَّابِعُ: (اسْتِمْرَارُهُ فِي غَيْرِ جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَبَرَدٍ، (لِفَرَاغِ ثَانِيَةٍ) مِنْ مَجْمُوعَتَيْنِ، (فَلَوْ أَحْرَمَ بِأُولَى) نَاوِيًا الْجَمْعَ (لِمَطَرٍ، فَانْقَطَعَ) الْمَطَرُ (وَلَمْ يَعُدْ؛ فَإِنْ حَصَلَ وَحَلَّ؛ صَحَّ) الْجَمْعُ، لِأَنَّهُ نَشَأَ عَنْ الْمَطَرِ، وَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ. (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحَلَّ؛ (بَطَلَ) الْجَمْعُ؛ وَلَوْ خَلَّفَهُ مَرَضٌ أَوْ نَحْوُهُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِ، فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا. (وَيَتَّجِهُ: كَوَحَلٍ) فِي صِحَّةِ الْجَمْعِ حُدُوثُ (نَحْوِ ثَلْجٍ) كَبَرَدٍ (وَرِيحٍ) بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ مَشَقَّةَ ذَلِكَ كَمَشَقَّةِ الْوَحَلِ وَأَبْلَغُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ بِأُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ أَرْسَتْ بِهِ السَّفِينَةُ عَلَى وَطَنِهِ؛ (بَطَلَ جَمْعٌ وَقَصْرٌ)، لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ (وَلَوْ خَلَّفَهُ نَحْوُ مَرَضٍ)؛ كَثَلْجٍ (وَمَطَرٍ) وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الْمُتَجَدِّدَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، فَلَا يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، (وَيُتِمُّهَا)، أَيْ: الْأُولَى (وَتَصِحُّ فَرْضًا)، لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا، وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا (وَ) إنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ (بِثَانِيَةٍ؛ بَطَلَ جَمْعٌ وَقَصْرٌ فِي حَقِّهَا)، أَيْ: الثَّانِيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُتِمُّهَا)، أَيْ: الثَّانِيَةَ (نَفْلًا) لَكِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا دُخُولَ وَقْتِهَا فَبَانَ عَدَمُهُ، وَالْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُمَا؛ فَلَا إعَادَةَ. (وَمَرِضَ فِي جَمْعٍ كَسَفَرٍ إذَا بَرِئَ) الْمَرِيضُ (بِأُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ؛ أَتَمَّهَا وَصَحَّتْ فَرْضًا، (أَوْ) بَرِئَ (بِثَانِيَةٍ)؛ صَحَّتْ نَفْلًا، لِوُقُوعِ الْأُولَى مَوْقِعَهَا. وَإِنْ بَرِئَ بَعْدَهُمَا؛ أَجْزَأَتَا. (وَشُرِطَ لِجَمْعٍ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ) وَهُوَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: (نِيَّةٌ)، أَيْ: الْجَمْعِ (بِوَقْتِ أُولَى) الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ مُبِيحِهِ، (مَا لَمْ يَضِقْ)، وَقْتُ الْأُولَى (فَعَلَهَا)، فَإِنْ ضَاقَ، عَنْهُ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْجَمْعُ لِفَوَاتِ فَائِدَتِهِ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، (وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا) إلَى أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ، وَيُنَافِيَ تَأْخِيرُهَا الرُّخْصَةَ، وَهِيَ: الْجَمْعُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) ضَعِيفٍ: إنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ جَمْعٍ ثَانِيَةٍ بِوَقْتِ أُولَى إنْ كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ (غَيْرِ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ بِوَقْتٍ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ مِنْ نَوْمِهِ وَنَحْوِهِ حَتَّى ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ فِعْلِهَا فَلَهُ فِعْلُهَا، مَجْمُوعَةً؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِذَلِكَ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَا يَسَعُ التَّكْبِيرَةَ لِلْإِحْرَامِ، وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا؛ نَعَمْ قَيَّدَ الْمَجْدُ بِبَقَاءِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا.(وَ) الثَّانِي: (بَقَاءُ عُذْرٍ) مِنْ نِيَّةِ جَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى، (لِدُخُولِ وَقْتِ ثَانِيَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، زَالَ الْمُقْتَضِي لِلْجَمْعِ فَامْتَنَعَ، كَمَرِيضٍ بَرِئَ وَمُسَافِرٍ قَدِمَ.وَ(لَا) يُشْتَرَطُ (غَيْرُ) مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ، كَنِيَّةِ الْجَمْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِمَا، ولَا اتِّحَادُ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ. (وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهِ)، أَيْ: الْعُذْرِ (بَعْدَ) دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، (وَلَا بَأْسَ بِتَطَوُّعٍ بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ (نَصًّا)، بِخِلَافِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ، فَتُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ. (وَصَحَّ إنْ صَلَّاهُمَا)، أَيْ: الْمَجْمُوعَتَيْنِ (خَلْفَ إمَامَيْنِ، أَوْ) صَلَّاهُمَا خَلْفَ (مَنْ لَمْ يَجْمَعْ، أَوْ) أَمَّ فِيهِمَا أَوْ إحْدَاهُمَا (بِمَنْ لَمْ يَجْمَعْ، أَوْ) صَلَّى (إحْدَاهُمَا مُنْفَرِدًا، وَ) صَلَّى (الْأُخْرَى جَمَاعَةً، أَوْ) صَلَّى (بِمَأْمُومٍ الْأُولَى وَ) صَلَّى (بـِ) مَأْمُومٍ (آخَرَ الثَّانِيَةَ)، لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ كَانَ إمَامًا بِإِحْدَاهُمَا وَمَأْمُومًا بِالْأُخْرَى)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفُرُوعِ..(فَرْعٌ): [الإعادةُ بَعْدَ الْجَمْعِ]: إذَا بَانَ فَسَادُ الْأُولَى بَعْدَ الْجَمْعِ، كَمَا (لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ الْأُولَى رُكْنًا) أَوْ شَرْطًا، بَطَلَ الْجَمْعُ وَأَعَادَهُمَا مُرَتَّبَتَيْنِ، (أَوْ) ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ رُكْنًا (مِنْ إحْدَاهُمَا وَنَسِيَهَا)، فَلَا يَدْرِي أَهُوَ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ: (أَعَادَهُمَا مُرَتِّبًا) فِي الْوَقْتِ إنْ بَقِيَ، وَإِلَّا قَضَاهُمَا مُرَتِّبًا.(وَ) لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا (مِنْ ثَانِيَةٍ، أَعَادَهَا فَقَطْ)، وَلَا يَبْطُلُ جَمْعُ تَأْخِيرٍ مُطْلَقًا، وَلَا جَمْعُ تَقْدِيمٍ إنْ أَعَادَهَا قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا تَفُوتُهُ الْمُوَالَاةُ..(فَصْلٌ) فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ}. الْآيَةَ. وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْخِطَابِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}. وَبِالنِّسْبَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى فِعْلِهَا وَصَلَّاهَا، عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى وَحُذَيْفَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُصَلِّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. (تَصِحُّ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (بِقِتَالٍ مُبَاحٍ)؛ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ، كَقِتَالٍ مِنْ أَهْلِ بَغْيٍ وَقُطَّاعِ طَرِيقٍ (وَلَوْ حَضَرًا)؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْخَوْفُ لَا السَّفَرُ. (مَعَ خَوْفِ هَجْمِ عَدُوٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا}. (وَتَأْثِيرُهُ)، أَيْ: الْخَوْفِ (فِي تَغْيِيرِ هَيْأَتِهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (وَصِفَاتِهَا لَا فِي) تَغْيِيرِ (عَدَدِ رَكَعَاتِهَا)، فَلَا يُغَيِّرُهُ الْخَوْفُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فِي مَنْعِ الْوَجْهِ السَّابِعِ الْآتِي: وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ، فَيُؤَثِّرُ أَيْضًا فِي عَدَدِهَا كَمَا فِي الْوَجْهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (وَتَصِحُّ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (سَفَرًا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: صَحَّتْ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَوْ سِتَّةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ، كُلُّهَا جَائِزَةٌ)، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا؟ قَالَ: أَنَا أَقُولُ: كُلُّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلِّهَا فَحَسَنٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ، فَأَنَا أَخْتَارُهُ. (أَحَدُهَا)، أَيْ: الْوُجُوهِ: (إذَا كَانَ الْعَدُوُّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ يُرَى) لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يُخَفْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، فِيهِمَا (كَمِينٌ) يَأْتِي مِنْ خَلْفِ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ: قَوْمٌ يَكْمُنُونَ فِي الْحَرْبِ، (صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ صَلَاةَ) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي (عُسْفَانَ): بَلَدٌ تَبْعُدُ عَنْ مَكَّةَ نَحْوَ مَرْحَلَتَيْنِ، (فَيَصُفُّهُمْ) الْإِمَامُ (خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَأَكْثَرَ حَضَرًا) كَانَ الْخَوْفُ (أَوْ سَفَرًا، وَيُحْرِمُ بِالْجَمِيعِ) مِنْ الصُّفُوفِ، (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ (سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، وَحَرَسَ) الصَّفُّ (الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ إمَامٌ لِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ، فَيَسْجُدُ) الصَّفُّ الْحَارِسُ (وَيَلْحَقُهُ)، أَيْ: الْإِمَامَ، (ثُمَّ الْأُولَى تَأَخُّرُ) الصَّفِّ (الْمُقَدَّمِ) السَّاجِدُ مَعَ الْإِمَامِ (وَتَقَدُّمُ) الصَّفُّ (الْمُؤَخَّرُ) السَّاجِدُ بَعْدَهُ، لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ بَيْنَهُمَا فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ. (ثُمَّ بِثَانِيَةٍ) يَسْجُدُ فِيهَا الْحَارِسُ فِي الْأُولَى، وَ(يَحْرُسُ سَاجِدًا مَعَهُ أَوَّلًا)، أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، (ثُمَّ يَلْحَقُهُ)، أَيْ: الْإِمَامَ (بِتَشَهُّدٍ، فَيُسَلِّمُ) الْإِمَامُ (بِجَمِيعِهِمْ). هَذِهِ الصِّفَةُ رَوَاهَا جَابِرٌ، قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْآخَرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَقَامَ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَالْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ، وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: «فَصَلَّاهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِعُسْفَانَ، وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ». (وَيَجُوزُ جَعْلُهُمْ)، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ (صَفًّا) وَاحِدًا، (وَحَرَسَ بَعْضُهُ) فِي الْأُولَى، وَالْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصَّفِّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي حِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا فِي إنْكَارِ الْعَدُوِّ.وَ(لَا) يَجُوزُ (حَرَسُ صَفٍّ فِي الرَّكْعَتَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ بِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَوْ حَرَسَ الصَّفُّ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِتَخَلُّفِهِ عَنْ الْإِمَامِ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ. الْوَجْهُ (الثَّانِي: إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِغَيْرِ جِهَتِهَا)، أَيْ: جِهَةِ الْقِبْلَةِ، (أَوْ كَانَ بِهَا)، أَيْ: جِهَةِ الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يُرَ)، أَيْ: لَمْ يَرَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، أَوْ بِهَا وَيُرَى وَخِيفَ كَمِينٌ، (قَسَمَهُمْ)، أَيْ: الْمُسْلِمِينَ الْإِمَامُ (طَائِفَتَيْنِ، وَيُحْرِمُ بِهِمَا) جَمِيعًا، (وَهِيَ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ شَدُّوا الْخِرَقَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ لِفَقْدِ النِّعَالِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ جَبَلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَبَيَاضٌ كَأَنَّهَا خِرَقٌ، وَقِيلَ: هِيَ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَقِيلَ: كَانَتْ نَحْوَ نَجْدٍ. (تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ الْعَدُوَّ) زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا، وَمَتَى خَشِيَ اخْتِلَالَ حَالِهِمْ، وَاحْتِيجَ إلَى مَعُونَتِهِمْ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْهَضَ إلَيْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ، وَيَبْنُوا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ. (فَإِنْ فَرَّطَ) الْإِمَامُ (فِي ذَلِكَ) بِأَنْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ، (أَوْ) فَرَّطَ (فِيمَا فِيهِ حَظٌّ لَنَا، أَثِمَ) وَيَكُونُ إثْمُهُ صَغِيرَةً لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ إنْ قَارَنَهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ شَرْطَ الصَّلَاةِ. (وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَسَقَ وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ)، قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: الْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ، كَتَرْكِ حَمْلِ السِّلَاحِ مَعَ حَاجَةٍ.قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَفِي الْفِسْقِ مَعَ التَّعَمُّدِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ. وَالصَّغِيرَةُ لَا يَفْسُقُ بِتَعَمُّدِهَا بَلْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَفْسُقُ، فَيَكُونُ (كَوَصِيٍّ وَأَمِينٍ فَرَّطَا فِي أَمَانَةٍ)، أَيْ: فَيَفْسُقَانِ، وَتَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِمَا كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، (طَائِفَةٌ) تَذْهَبُ (تَحْرُسُ) الْمُسْلِمِينَ (وَهِيَ)، أَيْ: الطَّائِفَةُ الْحَارِسَةُ (مُؤْتَمَّةٌ بِهِ)، أَيْ: الْإِمَامِ حُكْمًا (فِي كُلِّ صَلَاتِهِ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ حِينَ تَرْجِعُ مِنْ الْحِرَاسَةِ وَتُحْرِمُ لَا تُفَارِقُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهَا، وَالْمُرَادُ: بَعْدَ دُخُولِهَا مَعَهُ لَا قَبْلَهُ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ فَ (تَسْجُدُ مَعَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (لِسَهْوِهِ) وَلَوْ فِي الْأُولَى قَبْلَ دُخُولِهَا، وَ(لَا) تَسْجُدُ هِيَ (لِسَهْوِهَا) إنْ سَهَتْ، لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ (وَطَائِفَةٌ) يُحْرِمُ بِهَا، وَ(يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً) وَهِيَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تُفَارِقُهُ كَمَا يَأْتِي. (وَهِيَ)، أَيْ: الطَّائِفَةُ الَّتِي يُصَلِّي بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى (مُؤْتَمَّةٌ) بِهِ (فِيهَا)، أَيْ: الرَّكْعَةِ الْأُولَى (فَقَطْ)؛ لِأَنَّهَا تُفَارِقُهُ بَعْدَهَا، فَ (تَسْجُدُ لِسَهْوِهِ)، أَيْ: الْإِمَامِ (فِيهَا)، أَيْ: الرَّكْعَةِ الْأُولَى (إذَا فَرَغَتْ)، أَيْ: أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا، (فَإِذَا اسْتَتَمَّ) الْإِمَامُ (قَائِمًا لِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ نَوَتْ) الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى (الْمُفَارَقَةَ) لَهُ (وُجُوبًا؛ لِبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِ مُتَابَعَةِ) الْإِمَامِ (بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ، وَأَتَمَّتْ) صَلَاتَهَا (لِنَفْسِهَا) مُنْفَرِدَةً، (وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ تَحْرُسُ) مَكَانَ الطَّائِفَةِ الْحَارِسَةِ قَبْلَهَا. (وَيُبْطِلُهَا)، أَيْ: صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى (مُفَارَقَتُهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (قَبْلَ قِيَامِهِ) إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (بِلَا عُذْرٍ)، لِتَرْكِهَا الْمُتَابَعَةَ. (وَيُطِيلُ) الْإِمَامُ (قِرَاءَتَهُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (حَتَّى تَحْضُرَ) الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى) الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ، (فَتُصَلِّي مَعَهُ) بَعْدَ إحْرَامِهِ الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ)، وَلَا يَرْكَعُ بَعْدَ إحْرَامِهَا حَتَّى تَقْرَأَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ، وَيَكْفِي إدْرَاكُهَا الرُّكُوعَ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ إلَى مَجِيئِهَا، (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْهَا وَجَلَسَ، انْتَظَرَهَا، (يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ، وَ) حَتَّى (تَشَهَّدَ، فَيُسَلِّمَ بِهَا) وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ، وَتَحْصُلُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، وَالثَّانِيَةَ فَضِيلَةَ السَّلَامِ. وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: «أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَثْمَةَ مَرْفُوعًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهُ اخْتَارَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْكَاءٌ لِلْعَدُوِّ، وَأَقَلُّ فِي الْأَفْعَالِ، وَأَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ. (وَإِنْ أَحَبَّ) الْإِمَامُ (ذَا الْفِعْلِ)، أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ (مَعَ رُؤْيَةِ الْعَدُوِّ، جَازَ) نَصًّا، لِعُمُومِ الْآيَةِ. (وَإِنْ انْتَظَرَهَا)، أَيْ: الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الْإِمَامُ (جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ) فِي الْجُلُوسِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.(وَ) إنْ (ائْتَمَّتْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ) بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ)، أَيْ: لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِاقْتِدَائِهِمْ فِي صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَظَاهِرُهُ تَصِحُّ لَهُمْ لِلْعُذْرِ. (وَيَجُوزُ تَرْكُ) طَائِفَةٍ (حَارِسَةٍ الْحِرَاسَةَ) بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، وَتَأْتِي تُصَلِّي مَعَهُ (لِمَدَدٍ تَحَقَّقَتْ غِنَاهُ)، أَيْ: أَجْزَأَهُ عَنْهَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا الْغَنَاءُ أَوْ شَكَّ فِيهِ، لَمْ يَجُزْ، قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ (وَلَوْ خَاطَرَ أَقَلُّ مِمَّنْ شَرَطْنَا) بِأَنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ (وَتَعَمَّدُوا الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، صَحَّتْ) صَلَاتُهُمْ. (وَحَرُمَ مُخَاطَرَةٌ) قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} وَإِنَّمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مَعَ تَحْرِيمِ الْمُخَاطَرَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِهِمْ، كَتَرْكِ حَمْلِ السِّلَاحِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَيُصَلِّي) إمَامُ (الْمَغْرِبَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَ) (بـِ) الطَّائِفَةِ (الْأُخْرَى رَكْعَةً)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَفْضِيلٍ، فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ، وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا مَعَهُ بِالسَّلَامِ. (وَلَا تَتَشَهَّدُ) الثَّانِيَةُ بَعْدَ صَلَاتِهَا (مَعَهُ) الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ (عَقِبَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ تَشَهُّدِهَا، بَلْ تَقُومُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهَا. (وَيَصِحُّ عَكْسُهَا)، أَيْ: أَنْ يُصَلِّيَ (بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) نَصًّا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، فَيُجْبِرُ الثَّانِيَةَ بِزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ، لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَفْعَلُ جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ، وَالْأُولَى فِي حُكْمِ الِانْفِرَادِ.(وَ) يُصَلِّي إمَامٌ (الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، مَعَ إتْيَانِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِرَكْعَتَيْنِ، فَتَكُونُ تَامَّةً فِي حَقِّ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَجْهِ الْخَامِسِ. (وَيَصِحُّ) أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ (بِطَائِفَةٍ) مِنْهُمْ (رَكْعَةً، وَبـِ) طَائِفَةٍ (أُخْرَى ثَلَاثًا)، لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالطَّائِفَتَيْنِ. (وَتُفَارِقُهُ) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى) إنْ صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ مَغْرِبًا أَوْ رُبَاعِيَّةً تَامَّةً (بَعْدَ فَرَاغِ تَشَهُّدِهِ) الْأَوَّلِ (وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا) الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْمَغْرِبِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ التَّامَّةِ وَتُسَلِّمُ. (وَيَنْتَظِرُ) الطَّائِفَةَ (الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُهُ)- أَيْ: التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ- إلَى أَنْ تَحْضُرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، (فَإِذَا أَتَتْ قَامَ) لِتُدْرِكَ مَعَهُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ؛ وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ.قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُحْرِمُ بِهِمْ، ثُمَّ تَنْهَضُ مَعَهُ. (وَيَصِحُّ انْتِظَارُهَا)، أَيْ: الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ (قَائِمًا)؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ؛ وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْقَائِمِ أَكْثَرُ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ. (فَإِذَا صَلَّتْ) الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ (مَعَهُ)، أَيْ: مَعَ الْإِمَامِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، (وَجَلَسَ لِتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ) تَشَهَّدَتْ مَعَهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كَالْمَسْبُوقِ، ثُمَّ قَامَتْ (وَ) هُوَ جَالِسٌ (يُكَرِّرُهُ) فَاسْتَفْتَحَتْ وَتَعَوَّذَتْ (وَأَتَتْ بِمَا بَقِيَ، وَ) تَقْرَأُ (سُورَةً مَعَ الْفَاتِحَةِ)؛ لِأَنَّ مَا تَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهَا، فَإِذَا أَدْرَكَتْهُ فِي التَّشَهُّدِ تَشَهَّدَتْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ فَرَّقَهُمْ) الْإِمَامُ، أَيْ: الْمُصَلِّينَ (أَرْبَعًا، وَصَلَّى) الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ (بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَوْ فَرَّقَهُمْ ثَلَاثًا، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، أَوْ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، (صَحَّتْ صَلَاةُ) الطَّائِفَتَيْنِ (الْأُولَيَيْنِ)؛ لِأَنَّهُمَا فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ لِلطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ لِتَدْخُلَ مَعَهُ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَ(لَا) تَصِحُّ صَلَاةُ (الْإِمَامِ)؛ لِأَنَّهُ زَادَ انْتِظَارًا ثَالِثًا لَمْ يَرِدْ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ خَوْفٍ.(وَ) لَا صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ (الْأُخْرَيَيْنِ)؛ لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّتَا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، (إلَّا إنْ جَهِلُوا)، أَيْ: الْإِمَامُ وَالطَّائِفَتَانِ (الْبُطْلَانَ)، أَيْ: بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ جَهِلَ الْمَأْمُومُونَ، صَحَّتْ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى. وَكَمَنْ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ لَا يَعْلَمُ حَدَثَهُ، وَيَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا. الْوَجْهُ (الثَّالِثُ: أَنْ) يَقْسِمَهُمْ طَائِفَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، طَائِفَةٌ تَحْرُسُ، وَ(يُصَلِّي) الْإِمَامُ (بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي) فَتَحْرُسُ مَكَانَ الْأُخْرَى، (ثُمَّ) يُصَلِّي (بِالْأُخْرَى) الْحَارِسَةِ إذَا أَتَتْ (رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي) فَتَحْرُسُ، (وَيُسَلِّمُ) إمَامٌ (وَحْدَهُ، ثُمَّ تَأْتِي) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى) الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى، (فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا بِقِرَاءَةِ) سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَتُسَلِّمُ وَتَمْضِي لِتَحْرُسَ. (ثُمَّ) تَأْتِي (الْأُخْرَى)، فَتَفْعَلُ (كَذَلِكَ وَإِنْ أَتَمَّتْهَا)، أَيْ: الصَّلَاةَ الطَّائِفَةُ (الثَّانِيَةُ عَقِبَ مُفَارَقَتِهَا) إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ (وَمَضَتْ) تَحْرُسُ، (ثُمَّ أَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ) صَلَاتَهَا، (كَانَ) ذَلِكَ (أَوْلَى)، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوَّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (بِكُلِّ طَائِفَةٍ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ (صَلَاةً مَقْصُورَةً أَوْ تَامَّةً وَيُسَلِّمُ بِهَا)، أَيْ: بِكُلِّ طَائِفَةٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. (وَهُنَا صَحَّ) صَلَاةُ (فَرْضٍ خَلْفَ نَفْلٍ) وَهُوَ مُغْتَفَرٌ هُنَا، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا)، لِكَوْنِهِمْ مُسَافِرِينَ، (تَامَّةً بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ (فَتَكُونُ لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (تَامَّةً، وَلَهُمْ)، أَيْ: الْمَأْمُومِينَ (مَقْصُورَةً)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الْوَجْهُ (السَّادِسُ:) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ نَجْدٍ.(وَ) كَيْفِيَّتُهَا: (أَنْ يُحْرِمَ) الْإِمَامُ (بِالطَّائِفَتَيْنِ) مَعًا، وَتَقُومَ طَائِفَةٌ (وَاحِدَةٌ تِجَاهَ الْعَدُوِّ وَظُهْرُهَا لِلْقِبْلَةِ، وَ) تَقُومَ الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى مَعَهُ يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً) وَاحِدَةً (فَإِذَا قَامَ لِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ ذَهَبَتْ) الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ لِتَقِفَ (لِلْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ) الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى، فَرَكَعَتْ وَسَجَدَتْ) لِأَنْفُسِهَا، (وَلَحِقَتْهُ) بِالرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ، فَإِذَا جَلَسَ بِهَا لِتَشَهُّدٍ أَتَتْ) الطَّائِفَةُ (الَّتِي) وَقَفَتْ (تِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَرَكَعَتْ وَسَجَدَتْ) وَتَشَهَّدَتْ، (وَسَلَّمَ بِالْجَمِيعِ) أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ مُقِرِّينَ لَهُ. الْوَجْهُ (السَّابِعُ: وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْأَصْحَابِ (أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ) عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ كَصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ. صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ، ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: رَكْعَةً رَكْعَةً، إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ. وَلِلْخَوْفِ وَالسَّفَرِ اجْتِمَاعُ مُبِيحَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْخَوْفُ، وَالْآخَرُ: السَّفَرُ.قَالَ فِي الْكَافِي: كَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَحَمَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ..(فَصْلٌ): [هل تَصِحُّ جُمُعَةٌ بِخَوْفٍ]: (وَتَصِحُّ جُمُعَةٌ بِخَوْفٍ حَضَرًا) لَا سَفَرًا (بِشَرْطِ كَوْنِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا (فَأَكْثَرَ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا، لِاشْتِرَاطِ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِيطَانِ، (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ يُحْرِمَ بِمَنْ حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ، لِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِمَنْ لَمْ تَحْضُرْ الْخُطْبَةَ، لَمْ تَصِحَّ حَتَّى يَخْطُبَ لَهَا كَغَيْرِ الْخَوْفِ. (وَيُسِرَّانِ)، أَيْ: الطَّائِفَتَانِ (الْقِرَاءَةَ بِقَضَاءٍ)، أَيْ: قَضَاءِ الرَّكْعَةِ كَالْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا. (وَيُصَلَّى اسْتِسْقَاءً) فِي الْخَوْفِ إذَا ضَرَّ الْجَدْبُ (كَمَكْتُوبَةٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ.(وَ) صَلَاةَ (كُسُوفٍ وَ) صَلَاةَ (عِيدٍ) مَعَ خَوْفٍ (آكَدَ مِنْ اسْتِسْقَاءٍ، لِمَا تَقَدَّمَ) أَنَّ الْكُسُوفَ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ. وَأَمَّا الْعِيدُ، فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَسُنَّ) فِي صَلَاةِ خَوْفٍ (حَمْلُ) مُصَلٍّ (مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُثْقِلُهُ، كَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}، وَالْأَمْرُ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ. وَلَا يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِلَا حَاجَةٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَكُرْهِ) لِمُصَلٍّ حَمْلُ (مَا مَنَعَ إكْمَالَهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (كَمِغْفَرٍ) بِوَزْنِ مِنْبَرٍ، (وَهُوَ زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ)، أَوْ حِلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ، ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ. (أَوْ)، أَيْ: وَيُكْرَهُ حَمْلُ مَا (ضَرَّ غَيْرَهُ)، أَيْ: غَيْرَ حَامِلِهِ (كَرُمْحٍ مُتَوَسِّطٍ) صَاحِبُهُ (بَيْنَهُمْ)، أَيْ: بَيْنَ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَاشِيَةِ لَمْ يُكْرَهْ. (أَوْ)، أَيْ: وَيُكْرَهُ حَمْلُ مَا (أَثْقَلَهُ كَجَوْشَنٍ، وَهُوَ: الدِّرْعُ) وَالصَّدْرُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَجَازَ) فِي صَلَاةِ خَوْفٍ (لِحَاجَةٍ حَمْلُ نَجَسٍ) لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي غَيْرِهَا، (وَلَا يُعِيدُ) مَا صَلَّاهُ فِي الْخَوْفِ مَعَ النَّجَسِ الْكَثِيرِ لِلْعُذْرِ. (وَإِذَا اشْتَدَّ خَوْفٌ)، أَيْ: تَوَاصَلَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَفْرِيقُ الْقَوْمِ وَصَلَاتُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ، (صَلَّوْا رِجَالًا وَرُكْبَانًا لِلْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا. (وَلَا يَلْزَمُ) مُصَلَّيَا إذَنْ (افْتِتَاحُهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (إلَيْهَا)، أَيْ: الْقِبْلَةِ (وَلَوْ أَمْكَنَ) الْمُصَلِّي ذَلِكَ كَبَقِيَّةِ الصَّلَاةِ (وَلَا) يَلْزَمُ (سُجُودٌ) عَلَى ظَهْرِ (دَابَّةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُؤَخِّرَهَا)؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ قَادِرٌ. (وَتَجِبُ جَمَاعَةٌ) فِي شِدَّةِ خَوْفٍ كَغَيْرِهَا نَصًّا (مَعَ إمْكَانِ مُتَابَعَةٍ)، فَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ الْمُتَابَعَةَ، لَمْ تَجِبْ، بَلْ وَلَا تَنْعَقِدُ. (وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ مَأْمُومٍ) عَلَى إمَامِهِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (وَلَا) يَضُرُّ (تَلْوِيثُ سِلَاحٍ بِدَمٍ)، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، (وَلَا) يَضُرُّ (كَرٌّ) عَلَى عَدُوٍّ (وَ) لَا (فَرٌّ) مِنْهُ (لِمَصْلَحَةٍ وَلَوْ كَثُرَ) الْكَرُّ وَالْفَرُّ. (وَكَذَا)، أَيْ: كَشِدَّةِ الْخَوْفِ فِيمَا تَقَدَّمَ (حَالَةُ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا) بِأَنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ، (أَوْ) هَرَبٍ مِنْ (سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ): حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، (أَوْ) هَرَبٍ مِنْ (نَارٍ أَوْ غَرِيمٍ ظَالِمٍ)، فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ، لَمْ يَجُزْ، (أَوْ) لَمْ يَكُنْ هَرَبٌ، لَكِنْ صَلَّى كَذَلِكَ (خَوْفُ فَوْتِ عَدُوٍّ) يَطْلُبُهُ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا أُصَلِّي، أُومِئُ إيمَاءً نَحْوَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ فَوْتَ عَدُوِّهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، فَأُبِيحَتْ لَهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ كَحَالِ لِقَائِهِ. (أَوْ) خَوْفُ فَوْتِ (وَقْتِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ) إنْ صَلَّى آمِنًا فَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مَاشِيًا حِرْصًا عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ، لِمَا يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِهِ مِنْ الضَّرَرِ. (أَوْ) خَوْفٌ (عَلَى نَفْسِهِ) صَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ، (أَوْ) خَوْفٌ عَلَى (أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ ذَبُّهُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (عَنْ ذَلِكَ)، أَيْ: دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ، فَيُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ.(وَ) كَذَا ذَبُّهُ (عَنْ نَفْسِ) غَيْرِهِ (وَأَهْلِ) غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَ) أَمَّا مَنْ ذَبَّ عَنْ (مَالِ غَيْرِهِ)، فَيُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ. وَذَكَرَ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى. أَنَّهُ إذَا ذَبَّ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ، وَقَالَ: صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، إذْ صَاحِبُ الْإِنْصَافِ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ. (فَإِنْ كَانَتْ) صَلَاةُ الْخَوْفِ صَلَّيْت (لِسَوَادٍ)، أَيْ: شَخْصٍ (ظَنَّهُ عَدُوًّا) فَتَبَيَّنَ عَدَمَهُ، أَعَادَ، (أَوْ) صَلَّاهَا لِعَدُوٍّ، ثُمَّ تَبَيَّنَ (دُونَهُ مَانِعٌ) كَبَحْرٍ يَحُولُ بَيْنَهُمَا، (أَعَادَ)، لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُبِيحِ، وَنُدْرَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، بِخِلَافِ مَنْ تَيَمَّمَ لِذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي الْأَسْفَارِ.وَ(لَا) يُعِيدُ (إنْ) صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ لِعَدُوٍّ، ثُمَّ (بَانَ يَقْصِدُ غَيْرَهُ) لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وَهُوَ الْعَدُوُّ يَخْشَى هَجْمَهُ (كـَ) مَا لَا يُعِيدُ (مَنْ خَافَ عَدُوًّا إنْ تَخَلَّفَ عَنْ رُفْقَتِهِ)، وَصَلَّى صَلَاةَ آمِنٍ (فَصَلَّاهَا)، أَيْ: صَلَاةَ الْخَوْفِ (ثُمَّ بَانَ أَمْنِ طَرِيقٍ)، لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ. (أَوْ خَافَ بِتَرْكِهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الْخَوْفِ (كَمِينًا) يَكْمُنُ لَهُ فِي طَرِيقِهِ، (أَوْ) خَافَ بِتَرْكِهَا (مَكِيدَةً أَوْ مَكْرُوهًا، كَهَدْمِ سُورٍ أَوْ طَمِّ خَنْدَقٍ) إنْ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ آمِنٍ، صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ.قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ الطَّمَّ وَالْهَدْمَ لَا يَتِمُّ لِلْعَدُوِّ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، صَلَّوْا صَلَاةَ آمِنٍ. (وَمَنْ خَافَ) فِي صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا آمِنًا، انْتَقَلَ وَبَنَى لِوُجُودِ الْمُبِيحِ (أَوْ أَمِنَ فِي صَلَاةٍ) ابْتَدَأَهَا خَائِفًا، (انْتَقَلَ)، لِزَوَالِ الْمُبِيحِ (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، كَعُرْيَانَ وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبَةً. (وَلَا يَزُولُ خَوْفٌ إلَّا بِانْهِزَامِ) الْعَدُوِّ (الْكُلِّ)؛ لِأَنَّ انْهِزَامَ بَعْضِهِ قَدْ يَكُونُ خَدِيعَةً. (وَكَفَرْضِ تَنَفُّلٍ) شَرَعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَوَّلًا، فَيُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ مُنْفَرِدًا)، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ. (وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِطُولِ كَرٍّ وَفَرٍّ)؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. (وَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِفِعْلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِقِتَالٍ) كَنُزُولٍ عَنْ دَابَّةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَأَخْذِ مَالٍ لَقِيَهُ، وَسَلْبِ كَافِرٍ ثِيَابَهُ.(وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا بِـ (كَلَامٍ) أَجْنَبِيٍّ مِنْهَا، كَصِيَاحٍ عَلَى عَدُوٍّ، أَوْ تَحْرِيضِ أَقْرَانِهِ عَلَى الْقِتَالِ، فَمَتَى صَاحَ فَبَانَ حَرْفَانِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إذْ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ، بَلْ السُّكُوتُ أَهْيَبُ فِي نُفُوسِ الْأَقْرَانِ.تَتِمَّةٌ:إذَا خَافَ الْأَسِيرُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُخْتَفِي بِمَوْضِعٍ يَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ صَلَّى كُلٌّ مِنْهُمَا كَيْفَ مَا أَمْكَنَهُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا بِالْإِيمَاءِ حَضَرًا وَسَفَرًا.
|